أزيد على إجابات وتجارب الآخرين تجربتي أيضا وهي مقاربة نوعا لتجربتك. اخترت كلية حاسبات وأردتها منذ وعيت ماهية الكمبيوتر في التسعينيات، ولظروف خاصة اضطررت للتحويل لكلية الهندسة. في ذلك الوقت، رأيت الأمر مصيبة ولكني تصبرت لمعرفتي أن هندسة بها تخصص حاسب آلي. عند وصولي الكلية في أحد الأقاليم، وبالنظر لجداول المحاضرات لكل الأقسام والسنوات الدراسية، لم أجد مبتغاي في شعبة الحاسب الآلي أو أي قسم أو شعبة أخرى لذا اخترت الهندسة المعمارية لأنها الأسهل بالنسبة لي، خاصة وأن نظرتي تحولت آنذاك للدراسة أنها مجرد شهادة سيعلقها أهلي في البيت ليفتخروا بأن ابنهم مهندس لا غير. بعد ما يقل عن الشهر، زاد الطين بلة بأن وجدت فارقا ثقافيا حادا بين ما اعتدته ووجدته في الإقليم حيث الكلية، فبعد أن كنت أناقش مع أقراني العلوم والنظريات الحديثة في وقت فراغنا، أجد نفسي في مجتمع شبابي أقصى اهتماماته هي ألبوم المطرب الفلاني والملابس الضيقة لفتاة ما. كرهت الكلية والمجتمع المحيط بها، فكان القرار الثاني بأن أتجه للعمل والاعتماد على نفسي بدلا من ضياع عمري فيما لا أحب أو ربما أكرهه. انقضت سنوات الدراسة وأنا أملك عملي الخاص الذي نقلته من ذلك الإقليم إلى القاهرة، وبعد 10 سنوات من انتهاء دراستي كنت جالسا مع أحد عملائي فقال لي أني لا أصلح أبدا لأن أكون موظفا! غادرته ولسبب ما تذكرت دراستي وكراهيتي لها، وتوقفت يومها لأسأل نفسي: ماذا لو كنت درست ما أريد منذ البداية؟ ماذا لو كنت مشيت الطريق الافتراضي لأي شاب ينهي دراسته ثم تجنيده وخدمته الإلزامية ثم يبحث عن وظيفة؟ حتما كنت سأفشل. لو تحققت أمنيتي، غالبا كنت سأكون متفوقا دراسيا، ثم فاشلا مهنيا لأني أصاب بالملل والاكتئاب من الروتين عموما، والروتين هو صميم وقلب حياة أي موظف ووظيفة. قد تتغير التفاصيل في المهام أو المشروعات أو العملاء، لكن القالب العام واحد. الخلاصة، استغرقني الأمر 5 سنوات دراسية وبعدها 10 سنوات أخرى لأرى حكمة الله في ألا أدرس ما أريد، وليوجهني إلى تأسيس عملي الخاص في ظروف مثالية بالنسبة لي. في ذلك الإقليم كانت خبرتي البسيطة في الكمبيوتر والتقنية من وجهة نظري محط احتياج كبير، ولم أحتج لتمويل ضخم لأؤسس عملي وشركتي مقارنة بم كنت سأحتاجه لو كنت في مدينة كبيرة مثل القاهرة. من ناحيتك أنتِ، حتما الظلم شعور لا ينسى ولا يستطيع الجميع تجاوزه بسهولة، وقصصنا هذه ليست دعوة للرضوخ للأمر الواقع بحجة أنها أقدار الله ولا مناص منها. دعوتي لكِ هي أن تبذلي كل الجهد لتغيير واقعك إلى ما تريدين، فإذا استنفدت كل الحيل والحلول، ما بقي هو قدر الله وعندها نرضى بما قسمه لنا. قد نفهم حكمته اليوم، أو بعد 15 سنة أو أكثر، أو ربما لا تبلغها عقولنا أبدا. لا تلفتي كثيرا للصداقات، القليل جدا منها ما يستمر عبر المراحل العمرية المختلفة. في سنوات الدراسة تجمعنا الجيرة والمدرسة، ثم يفرقنا التنسيق والمجموع، ثم نتفرق في المهن والوظائف وشئون الحياة اليومية. ربما فارقك أصدقاء المدرسة، لكنك ستصنعين صداقات جديدة، وبعد تخرجك ستجدين من عادت لمدينتها أو قريتها وفارقتك، ومن تزوجت ورحلت مع زوجها، أو أنجبت وانشغلت بأطفالها. هذه سنة الحياة التي جعلنا الله فيها شعوبا وقبائل لنتعارف. يفترض ألا تجتمع درايتك بالظلم الواقع عليكي وشعورك بالفشل أبداً. الفاشل مقصر ولا أراكِ مقصرة. أخرجي من قوقعتك فالحياة أوسع كثيرا من بضع سنوات دراسية. الكيمياء ليست حكرا على الكليات والدراسة. ما الذي يمنع توسيع مداركك فيها خارج نطاق الدراسة؟
لعرض الإجابة في فدني اضغط هنا