أرى أن سقوط بشار كان مقصوداً ومرغوباً فيه لدى أطراف غربية وشرقية، وتخلوا عنه فسقط. هذا يعني بالضرورة أن بدائل بشار موجودين بالفعل وهنالك من يعملون على إيصالهم للحكم. كذلك فالدولة العميقة لا تزال موجودة (أصحاب النفوذ والتأثير السابقين في ظلال المشهد). في المقابل، هنالك قوى تتعارض مصالحها مع بعضها فيمن سيحكم سوريا، إذ تتعارض مصلحة إيران مع المصالح التركية في مقابل مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالطبع مصالح الشعب السوري نفسه، علاوة على المعارضة المسلحة. كل هذه الأطراف تسعى الآن لتحديد مستقبل سوريا والرابح فيهم هو من سيدير الانتخابات وسيزج بالرئيس والحكومة المناسبين له. بالتأكيد سيناريو الانقسام وارد، ولربما هذا عجلت قوات المعارضة بالحديث عن السماح والعفو وأنه لا ثأر لشهيد، وإعادة المهاجرين لتجنب هذا السيناريو. على الصعيد العام، أرى أن موازين القوى العالمية تنقلب. الحكومات الغربية أفسدت وساندت الفساد في الشرق الأوسط وأفريقيا وبعض دول آسيا، حتى فسدت هي نفسها وفسد رجالها وحُكامها فضعفت سياساتها الخارجية وتغيرت أولوياتها. بريطانيا تخرج من الاتحاد الأوروبي بعد تأثرها اقتصادياً وديموغرافياً بسببه، والاتحاد الأوروبي لا يزال يئن من أزمات اقتصادية في بعض دوله، ثم تأتي حرب روسيا وأوكرانيا بمزيد من الأزمات لباقي دوله وعلى رأسها ألمانيا، ديون الحكومة الفرنسية تتعاظم عاماً تلو الآخر إثر جائحة كورونا وبوادر أزمتها الاقتصادية تتضح في الأفق، الصين وكندا وبريطانيا يعانون من شيخوخة الشعب وطاقتهم الإنتاجية بدأت في التضاؤل، والولايات المتحدة تنسحب من دورها العالمي - عادة ما توصف بشُرطي العالم - منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في حماية التجارة العالمية، وسيتولى حكمها قريباً رجل متهور ربما يصل إلى حد الحماقة، وبالطبع روسيا قطب القوى العالمي الثاني بعد الولايات المتحدة وعجزها عن حماية مصالحها في سوريا ودول أخرى، وغيرها الكثير من الأحداث والظروف. أي أن الغرب والدول المتقدمة ودول العالم الأول تنحدر لتكون من دول العالم الثالث بوتيرة أراها تتسارع. في المقابل نجد أن الدول التي أفسدها وأفقرها الغرب - أي دول العالم الثالث - تناضل لأجل الخروج من وضعها الحالي. الشعوب تريد التخلص من الظلم والفساد الواقع عليهم، وهذا وحده كفيل بأن تستغل هذه الدول المتحررة خيرات بلادها لتنفع نفسها وبالتالي تخرج من حفرة الفقر والتخلف. إفريقيا تعج بكميات كبيرة من الذهب والنحاس والفوسفات واليورانيوم والحديد والكروم والنيكل (وهذا غيض من فيض). إفريقيا تملك 65% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم وتنوع المناخ فيها يجعلها قادرة على إنتاج محاصيل ضرورية مثل الذرة والقمح والقطن والفواكه، علاوة على الماشية والأغنام والماعز، بل والإبل والدواجن في الثروة الحيوانية. القارة كلها كانت تحت السطوة الغربية الاستعمارية العسكرية ثم أصبحت تحت الهيمنة السياسية، وهذه القوى الاستعمارية هي التي قسمت عن عمد إفريقيا إلى دول تفرق وتقسم القبيلة الواحدة من جانب في دولتين أو ربما أكثر، وتجمع الخصوم معاً من جانب آخر. استذكر ما حدث في رواندا وتصفية التوتسي على يد الهوتو؛ وكذلك بوروندي أيضاً بين الهوتو والتوتسي (قبيلتين موزعتين على دولتين)؛ ونيجريا وحرب بيافرا؛ ومؤخراً حرب دارفور وانقسام السودان، ثم النزاع والحرب بين جيش السودان وقوات التدخل السريع؛ أما جنوب السودان فما أن استقل حتى اندلعت فيه حرب أهلية؛ وإثيوبيا في إقليم تيجراي؛ وبالطبع ليبيا التي يرى الكثير أنها مشروع انقسام لليبيا شرقية وأخرى غربية. وفي خضم كل هذه الحروب والنزاعات والصراعات، كان استزراع الفساد أمراً هيناً على الدول الغربية. ختاماً، استبشر فسنة الله في الأرض هي تداول الأيام بين الناس. لن نبقى في أسفل سافلين كثيراً وأيامنا هذه تدلل على هذا، ولن يبقوا في عليين وظروفهم تحدثنا عن سقوطهم الوشيك.
أصبت، لكن الأمر ليس بهذه البساطة ويمكنني الاستشهاد بما حدث في مصر وتونس وآمل أن تضيء مآسينا الطريق لسوريا فتتجنب وضعنا الحالي. من السهل جداً أن تؤجج الخلافات على هوامش القضية الواحدة التي يلتف حولها شعب كامل، كاختيار المسار الأمثل، أو القائد الأصلح، أو ترتيب الأولويات للوصول لهذا الهدف فتتحول الخلافات إلى نزاعات، فتصير صراعات، فتلتهب حرباً أو ربما حروباً بواسطة أياد أجنبية خفية. ربما من الأفضل تأجيل بعض الملفات، والتركيز على الأحياء بدلاً من الأموات. كل سوري يعرف الظلم الذي وقع عليه، وكلنا نعرف بوجود السجون والمعتقلات ووقوع المجازر. فتحها والتحقيق فيها الآن لا يضيف جديداً للأحياء ولا لمستقبلهم. لو كان التحقيق في نهب وتبديد ثروات الدولة مثلاً بهدف إيقاف النزيف وتوجيه العائد منها إلى تنمية الدولة وصالح المواطن السوري فأهلاً به، وإن لم يكن فأوانه في المستقبل. ومثال آخر، تكشف المعارضة عن الدولة العميقة واستبعاد أفرادها من الحكم، والتيقن من عدم تأثيرهم على مسار الحكم والإصلاح المرتقب. لا يفتي قاعد لمجاهد أولاً، وثانياً أتمزق بين استعادة سوريا أرضها من الاحتلال الإسرائيلي فتنشغل إسرائيل وتخفف الوطأة على فلسطين، وبين أن يتحسن الوضع العام في سوريا قبل أن تلتفت إلى استعادة أراضيها ودخولها في صراع عسكري جديد - إن لم تكن حرباً شاملة. حتى تتخلص سوريا من الدولة العميقة ونظام الحكم الذي لم يسلم السلطة إلى الآن، فهي لا تزال معارضة وليس نظاماً حاكماً. تولى مرسي المنصب ولا أراه تولى الحكم أبداً.
تم النشر الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤
شكرا جزيلا مهندس مصطفى أعتقد أن خير ما تفعله المعارضة السورية اليوم (وقد أصبحت النظام الحاكم لا المعارض) هو أن تجمع الشعب السوري كله حول قضية واحدة لا يمكن أن يختلف عليها أحد وهي أن سوريا لم تعد ملكا لطرف أجنبي كإيران وروسيا وأنها لا يمكن أن تسمح باستمرار العدوان الإسرائيلي على أراضيها المستمر منذ سنين، ثم فتح كافة الملفات الساخنة التي تفضح جرائم النظام السابق (كمجزرة حماة في الثمانينات) والجرائم التي تواطأت معه فيها الدول الكبرى
تم النشر الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤
ملاحظة جانبية: التجربة الديموقراطية المؤقتة في مصر - وكذا تونس - أراها كانت جزءاً من المؤامرة. لا يمكنك أن تضع حاكماً أو رئيساً لا يرضى عنه الشعب ولا يعرفه. يجب أن يأتي شخص ما يرضى عنه الشعب الثائر ثم تستبدله أو تفسده بشكل تدريجي فلا يلحظ أحد أصابعك التي تحرك المشهد، وإن لاحظها فليكن هذا متأخراً جداً.
تم النشر الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤
نعود للشرق الأوسط والدول العربية تحديداً. عندما ظهرت الحركة الصهونية كانت تحاول في البداية تأسيس وطن لهم في أي مكان من العالم، وكانت على وشك أن تقبل عرضاً من الصين بتخصيص وطن لهم على أرضها. لكن الغرب أراد أن يستفيد منهم في حل معضلته في الشرق الأوسط.................... جميعنا رأى كيف أن نظام الحكم الفاسد الموالي لدولة أجنبية سريعاً ما ينقلب عليه نظامه لأسباب داخلية أو يثور عليه شعبه. لذا كان سيتحتم على الغرب أن يستبدل الصالح من نظم الحكم بين الفينة والأخرى بآخر فاسد موال لهم، أو يحاولوا إفساده. هذا بالطبع يستغرق وقتاً ويكلف مالاً ونتائجه غير مضمونة، علاوة على عدم ضمان ألا يتحسن الوضع مع كل نظام صالح يتولى الحكم ولو لفترة قصيرة، وهو ما يعني بذل جهد أكبر ومال أكثر ومواجهة مقاومة أعنف في محاولة استبداله........................ كان الحل هو خلق موطئ قدم دائم في الشرق الأوسط، فأوحى الغرب للحركة الصهيونية بأن يكون موطنهم في الشرق الأوسط. أرض الميعاد كانت مجرد دافع ديني للتأثير على عموم يهود العالم ولا غير. بهذا يكون لدى الغرب حليف موثوق، مستقبله مرهون دوماً بطاعته واتباعه كل ما يؤمر. وفي نفس الوقت يشكل تهديداً دائماً لمحيطها من الدول العربية................................ للأسف وجدت نظم الحكم العربية الفاسدة أن التحالف مع الغرب من خلال إسرائيل أكثر ربحاً اقتصادياً لهم، فبدلاً من أن تكون إسرائيل مصدر تهديد، أصبحت بوابة جنة رضى الغرب وإغداق الأموال وتحقيق المصالح، وللأسف بدأ هذا من مصر في معاهدة السلام، وأصبحنا نرى التطبيع مسعى كل الدول العربية في هذه الأيام........................... هنا يأتي التأثير الغربي على سوريا. قد لا تكون سوريا - وبلاد الشام عموماً - تتمتع بثروات كبيرة تفيد الغرب اقتصاديا لفترة طويلة كحال أغلب الدول الإفريقية، ولكنها حيوية وهامة في حفظ إسرائيل بصفة هذه الأخيرة بوابة السيطرة الأمريكية والأوروبية على الدول العربية، وإلا ستفقد سيطرتها على النفط السعودي والغاز القطري والذهب المصري على سبيل المثال لا الحصر. بدون إسرائيل، لا توجد إلا المصلحة التجارية مع الغرب (البيع والشراء بالأسعار العادلة وبما يناسب مصلحة الشعوب العربية) فلربما نجد السعودية تتخلى عن البترودولار مثلاً، ولا تعود قطر والسعودية في حاجة إلى قواعد عسكرية أمريكية على أراضيهما........... الخلاصة: هل توجد مؤامرة ضد الشعب السوري؟ نعم، وسقوط بشار جزء من هذه المؤامرة، وهي ليست إلا خطوة في استبدال فاسد ديكتاتور بآخر............. هل ستنجح المؤامرة؟ هنالك عشرات المصالح العالمية والإقليمية والقومية المحلية المتضاربة، وحتى الآن لا يمكنني الجزم بمن منهم الأقرب أو الأكثر قدرة على التغلب على البقية.
تم النشر الثلاثاء، ١٠ ديسمبر ٢٠٢٤
لعرض الإجابة في فدني اضغط هنا